احتجاجات إيران تتواصل رغم القمع
تتواصل حركة الاحتجاج في ايران للتنديد بالنظام القائم في البلاد، في تحدٍّ لحملة القمع التي تشهد حالياً محاكمة موقوفين يواجه عدد منهم عقوبة الإعدام.
وتشهد إيران منذ ستة أسابيع احتجاجات غير مسبوقة منذ الثورة الإسلامية في العام 1979، على أثر وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر، بعد ثلاثة أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق التي اتهمتها بخرق قواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.
وحذّرت السلطات المتظاهرين الأسبوع الماضي من أنّ الوقت قد حان لإخلاء الشوارع، لكن لم تظهر أيّ مؤشرات على تراجع الاحتجاجات التي تواصلت في مناطق سكنية وشوارع رئيسية وجامعات في جميع أنحاء البلاد.
وذكرت منظمة “إيران هيومن رايتس” الحقوقية ومقرها أوسلو، أنّ الاحتجاجات أسفرت عن مقتل 160 متظاهرا على الأقل. ولقي 93 شخصاً على الأقل حتفهم في تظاهرات منفصلة اندلعت في 30 أيلول/سبتمبر في مدينة زاهدان في جنوب شرق البلاد على خلفية تقارير أفادت عن تعرّض فتاة للاغتصاب من قبل مسؤول في الشرطة، بحسب المنظمة الحقوقية.
ويتفاقم التحدّي بالنسبة للسلطات كلما يتم احياء ذكرى مرور أربعين يوماً على وفاة شخص ما في إيران جراء القمع، مع تحول مراسم الحداد إلى بؤرة احتجاج محتملة.
وردّد سكان منطقة اكباتان في طهران في وقت متأخّر من الاثنين، شعارات الحركة الاحتجاجية بما في ذلك “الموت للدكتاتور”، في الوقت الذي استخدمت فيه قوات الأمن القنابل الصوتية في محاولة لفضّ التحرّك، وفقاً لمقاطع فيديو نُشرت على موقع رصد “1500 تصوير” ومواقع أخرى.
وأفادت منظمة “هنكاو” لحقوق الإنسان التي تتخذ من النروج مقرّاً، بأنّ الجنازة التي أُقيمت في مدينة سنندج الرئيسية في محافظة كردستان في شمال غرب إيران الإثنين، للفتاة سارينا سعيدي البالغة من العمر 16 عاماً والتي قُتلت خلال التحرّكات الاحتجاجية، تحوّلت إلى احتجاج تخلّلته هتافات معادية للنظام، بينما قامت نساءٌ بخلع حجابهن.
كذلك، نشر موقع “1500 تصوير” مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، يُظهر طلاّبَ طبّ يحتجّون في مدينة تبريز الشمالية، وهم يقولون للسلطات “أنتم المنحرفون!”، في رسالة إلى شرطة الأخلاق.
وأفادت “إيران هيومن رايتس” بأنّ طلّاباً نظّموا اعتصاماً الثلاثاء في جامعة أصفهان، بينما أشارت لقطات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تحرّك مماثل في كلية الهندسة في جامعة أمير كبير في طهران.
كذلك أفادت المنظمة بأن عددا كبيرا من الأشخاص شاركوا الثلاثاء في إحياء ذكرى مرور أربعين يوما على موت سياوش محمودي الذي قالت إنه قتل برصاص قوات الأمن، في مقبرة “بهشتي زهراء” في ضواحي طهران حيث أطلقت هتافات “الموت للدكتاتور”.
وفي طهران شارك طلاب جامعة بهشتي وبينهم شابات لا يرتدينَ الحجاب في مسيرة مرددين شعار “اهتفوا من أجل حقوقكم”، وفق ما أفاد “مركز حقوق الإنسان في إيران” ومقره نيويورك.
– محاكمات –
أشارت عائلة مهسا أميني إلى أنّ وفاة ابنتها نتجت عن ضربة على الرأس أثناء احتجازها. وطعنت السلطات الإيرانية بهذا التفسير لكنّها أمرت بإجراء تحقيق.
ومع أنّ إيران شهدت احتجاجات خلال العقدين الماضيين، إلا أنّ الحركة الحالية تكسر المحظورات بشكل منتظم.
فقد أظهرت صور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، لوحات جدارية للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وسلفه آية الله روح الله الخميني، مطلية باللون الأحمر في مدينة قم المقدّسة.
كذلك، شهدت الاحتجاجات عدداً لا يُحصى من التكتيكات المختلفة، إذ أشار المراقبون إلى نزعة جديدة تتمثّل في قيام الشبّان بإزالة العمائم من على رؤوس رجال الدين في الشوارع.
ولفتت “هنكاو” إلى أنّ من بين الذين دُفنوا الاثنين، قمار دارفتاده البالغ من العمر 16 عاماً والذي يتحدّر من بيرانشهر في شمال غرب إيران. وقالت إنّ قوات الأمن أطلقت عليه النار على مسافة ثلاثة أمتار وتوفي لاحقاً في المستشفى.
وأظهر تسجيل فيديو تم تداوله بكثرة وتعذّر على فرانس برس التحقق من صحّته، عناصر شرطة في ناحية نازي آباد في طهران يتعرّضون لأحد المحتجين بالضرب المبرح ويدهسونه بدراجة نارية ويطلقون النار عليه.
أوقف آلاف الأشخاص في مختلف أنحاء البلاد خلال حملة قمع الاحتجاجات، حسبما أفاد ناشطون حقوقيون، بينما أعلن القضاء الإيراني أنّ ألف شخص وُجّهت إليهم اتهامات بالفعل، بشأن صلتهم بما وصفه بأنه “أعمال الشغب”.
وبدأت السبت في طهران محاكمة خمسة رجال متّهمين بارتكاب جرائم يمكن أن يعاقب عليها بالإعدام، على خلفية الاحتجاجات.
وحُكم على أحد هؤلاء الرجال، وهو محمد قبادلو، بالإعدام في الجلسة الأولى للمحاكمة، وفقاً لمقطع فيديو لوالدته نشره مركز عبد الرحمن بوروماند ومقره واشنطن. لكن لم يجر تأكيد هذا الأمر من قبل القضاء.
وبات مغنّي الراب الإيراني الشهير توماج صالحي أحدث شخصية بارزة يتم توقيفها، وفقاً لمركز حقوق الإنسان في إيران ومقرّه نيويورك.
والأسبوع الماضي تحدّث توماج في تصريح لشبكة “سي.بي.سي” الكندية عن “مافيا مستعدة لقتل الأمة بأسرها… للاحتفاظ بسلطتها ومالها وأسلحتها”.
واعتُقل ما لا يقل عن 46 صحافياً حتى الآن، وفقاً للجنة حماية الصحافيين ومقرّها نيويورك. وتعدّ الصحافية مرضية أميري آخر من تمّ اعتقاله، حسبما كتبت شقيقتها سميرة على “إنستغرام”.
وقبل شهر أوقف الصحافي الإيراني وحيد شمس الدين نجاد في محافظة كردستان الإيرانية خلال تغطيته الاحتجاجات لصالح قناة “أرتي” الفرنسية-الألمانية، وفق ما أعلنت المحطة التلفزيونية.
في هذه الأثناء، يخوض الناشط البارز في مجال حرية التعبير والكاتب في صحيفة “وول ستريت جورنال” حسين روناغي، الذي اعتُقل بعد وقت قصير على بدء الاحتجاجات، “إضراباً عن الطعام وهو ليس بخير”، حسبما كتب شقيقه حسن على “تويتر” بعدما سُمح للناشط لقاء والدَيه.
وسعت القوى العالمية إلى تشديد الضغط على إيران، مع إعلان كندا الإثنين عقوبات جديدة تستهدف الشرطة والمسؤولين القضائيين.
التعليقات مغلقة.