أوروبا و الخروج من عباءة واشنطن

8٬477

بقلم زكرياء الروضي

بدى واضحا أن أوروبا لم تعد لها أوراق تجعلها قادرة على مسايرة اللعب مع خصمها الروسي لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الاقتصادية. و ربما أدركت أن سياسة كسر العظام و فرض العقوبات الاقتصادية أكل الدهر عليها وشرب.

و أنها دخلت في مستنقع لم تكن تدرك مدى عمقه، لتجد نفسها ذاهبة نحو نفق مظلم يزداد حلكة كلما تقدم الزمن و طالت أمد الحرب في أوكرانيا. أوروبا عرفت أنها دخلت في معمة ليست لها مصلحة فيها سوى إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف القديم الذي لا يعرف مصلحة أحد سوى أن يكون فيها هو المستفيد الأكبر.

فحسب بعض الخبراء في الشؤون الدولية فإن السياسة الأمريكية المبنية على مبدأ البراغماتية التي تجعلها دائما في البحث عن الريادة، و استمرارها في الواجهة دائما و إلى الأبد. وأن من الواضح و البديهي أن الولايات المتحدة الأمريكية تتغدى على الأزمات و الحروب.

فكلما دخلت في حرب مع طرف ما، إلا و أقحمت عدة أطراف و أقامت تحالفات و وكلاء لكي لا تتضرر على عدة أصعدة. فأوروبا بدأت تشعر بأنها تنساق إلى مستنقع يهدد استقرارها على عدة أصعدة خصوصا بعدما أصبحت الحرب فوق أراضيها، و رغم أنها حاولت مجارات ما وقع بين روسيا و أوكرانيا و حشدت كل إمكاناتها هي و حلفاءها من حلف الشمال الأطلسي، إلا أنها شعرت بأنها ذاهبة نحو مصير غير محسوب العواقب في الداخل والخارج.

و هذا ما جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأيام القليلة الماضية، يتحرك في زيارة رسمية له إلى الصين لطلب المساعدة على الدفع إلى السلام بين روسيا و أوكرانيا و الجلوس على طاولة المفاوضات بشكل جدي، للخروج من هذه الأزمة الكبرى.

وفي تصريح غير مسبوق صرح الرئيس الفرنسي بأن على أوروبا أن تقلص ارتباطها بالولايات المتحدة الأمريكية، و أن تتجنب مواجهة محتملة مع الصين بشأن تايوان. و هذا التصريح اعتراف أوروبي بوحدة الصين الواحد في شخص الرئيس الفرنسي الذي تعتبر بلده من الدول التي تشكل ركائز الاتحاد. و عزز هذا الموقف، رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، في مقابلة له مع صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، أن الاتحاد الاوروبي لا يمكنه أن يتبع واشنطن بشكل أعمى و منهجي، و أن الزعماء الأوروبيين أصبحوا أكثر ميولا إلى مسعى الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون لتحقيق حكم ذاتي استراتيجي بعيد من الولايات المتحدة.

وكل هذه التصريحات تبين أن الاتحاد الأوروبي بدأ يشعر بفقدان التوازن الإقليمي و الدولي، في خضم صعود قوى جديدة و تحالفات بدأت ترسم طريق واضح و متفائل قادر على فرض أمر الواقع في السنوات المقبلة. لذلك يحاول الاتحاد الأوروبي جمع شعثه الذي أصبح يتفكك يوما بعد يوم، بسبب التوجيهات التي تصدر من واشنطن، و التي تضيع على الاتحاد عدة تقاربات تجعله في موقف صعب بسبب الأزمات التي يمر منها.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد