“الاغتصاب” بین التمثل الثقافی واسالیب المواجهة

2٬908

 

بقلم: محمد هلال الحسنی

لا مراء أن الاغتصاب فعل مشین, وغیر مقبول فی جمیع القوانین والشراٸع الوضعیة والسماویة. حیث اجتهدت البلدان فی تطویقه, أولا بتحدید معناه بنحو یشمل العدید من الافعال المتشابهة فی مدلولها, و ثانیا بتحدید العقوبات الجزریة بما یناسب الفعل المقترف.

بناء علی ذلک, اتفقت المعاجم علی ان الاغتصاب متعدد المعنی-علما ان کل معجم او قاموس یعکس ثقافة شعب ما-, فقاموس اکسفورد یٶكد بأن الاغتصاب هو: کل فعل سمته الخرق أو یأتي ضد شیء ما, وبخاصة خرق القانون والعقود والمبادیء والادوار… أو ضد شیء يفترض ان یعامل باحترام.

اما فی المعجم العربی “المعانی” فیقصد بالاغتصاب: الاعتداء الجنسی و الانتهاک والاستباحة والتدنیس والاخلال ب… اما فی لسان العرب فیقال اغتصب من غصب واغْتَصَبَه فهو غاصِبٌ وغَصَبه على الشيءِ قَهَره وغَصَبَه منه والاغْتِصَابُ مِثْلُه …وقد تَكَرَّر ذكْرُ الغَصْب فِي الحَدِيث, وهو أَخْذُ مَالِ الغَيْرِ ظلما وعدوانا.

اما فی موسوعة المصطلحات والقوامیس الاسلامیة فالاغْتِصابُ: أن يَأْخُذَ الشَّخْصُ حَقَّ غَيْرِهِ ويَسَتْوْلِي عَليْهِ قَهْراً وعُدْواناً، والاِسْتِيلاءُ يكونُ بِالأَخْذِ، كأن يَأْخُذَ مَثلاً أَرْضاً لِلْغَيْرِ ويَجْعَلَها لِنَفْسِهِ…

یستفاد من ذلک أن دلالة اللفظ تتباین بین المعجمین بما یعکس خصوصیة الثقافة وسیاق تبلور المفهوم. ففی الدلالة المعجمیة الانجلیزية, یسمی الاغتصابviolation اغتصابا اذا مس بقانون او بمبدأ او بدور او بعقد. وهی إشارة إلی مجتمع سمة العلاقات الاجتماعیة فیه التنظیم, فکل علاقة إنسانیة هی مٶطرة بقانون, وتحت سیادة وتحکم الدولة كرمز شامل للنظام والانتظام.

اما فی المعاجم العربیة والاسلامیِة فغیاب ای تاطیر للعلاقات الاجتماعیة والانسانیة واضح تماما فی الدلالات المختلفة التی تشخصن الاغتصاب وتجعله مباشرا بین شخصین.

بناء علی ذلک. یبدو ان حالات الاغتصاب التی لا تتوقف فی مجتمعنا المغربی اتجاه کل شیء جمیل, کالثروة والنفاٸس المتعددة لا تثير تمردا ولا تتمر حراکا بنحو ما یحصل حال الاغتصابات الجنسیة وقضایا الشرف. ولنا فی اغتصاب القُصر من ذلک مثال.فما یتلوها من غضب جماهیری عارم ومن ردود فعل غاضبة مشوبة بالانتقام, لاتخرج عن کونها انعکاس لثقافة اجتماعیة أولیة لم تقطع بعد صلاتها مع الشرف والدم والقبیلة…ومع منطق المباشرة والشخصنة والعاطفة والتوجس والخوف.

ویظهر من ذلک أن غیاب مجتمع ممأسس ومنظم تحکمه القوانین ومبادیء الاخلاق السامیة…هو ما یفسر هذه الازدواجیة فی الغضب وفی الانفعال, اذ یسمح المغربی باغتصاب کل شیء عدا الشرف, ویجیش ضد قضایا هامشیة بینما هو عاجز عن السیر فی حراک اجتماعی لتغییر قوانین تستعبده او ای شیء من هذا القبیل.

ولعلها سکیزوفرینیا الحشود ان شٸنا التعبیر. ولا لوم هنا علی الحشود لانها لا تتمالک ذاتها ازاء ماهو موضوعی. فعندما نشخصن جمیعا حالة الطفل المغتصب ونقول: کلنا فلان, فاننا ننادی لاشعوریا علی ما یجمعنا ویٶسس هویتنا الایروسیة المعقدة.

فی مقابل ذلک, هب اننا نمتلک تمثل قاموس اکسفورد, فالذهنیة التی ستحکمنا لن تخرج عن اطار القانون البثة. وذلک لکون المغتصب فی قضیة طفل طنجة, لم یغتصب الطفل بل اغتصب القانون الذی یحکم علاقته بذلک الغیر الذی هو طفل وقاصر. ویترتب عن ذلک ان القانون یقول کلمته بشکل موضوعی, ومن دون ان یتوقف تنفیذ القانون علی رایی الخاص او رای الحشود…

بوجه عام یمکننا اعتبار الاغتصاب اوسع من ان یختزل فی واقعة احادیة ومنعزلة, واعمق من ان یولد نواحا ونباحا علی غرار نکبات امتنا الأسطوریة. فهو اغتصاب سیاسی, تاریخی, اقتصادی اجتماعی وثقافی…کما أن آلیات مواجهته متاحة وممکنة باسالیب راقیة ومتحضرة, لا بمسلکیات حشدیة ومتخلفة.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد