رئاسة بوركينا فاسو.. نتفاوض مع الجنود لإعادة الهدوء
سُمع دوي إطلاق نار كثيف في ساعة مبكرة من فجر الجمعة، في منطقة يقع فيها معسكر كبير تابع للجيش في مدينة واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو وكبرى مدنها.
وبعد ورود أنباء عن محاولة انقلابية، أصدرت الرئاسة بيانا قالت فيه إن الأمر يتعلق بجنود متذمرين من أوضاعهم، وإن الرئيس الانتقالي الكولونيل بول هنري داميبا دخل معهم في مفاوضات لاستعادة الهدوء.
ورغم أن إطلاق النار لم يستمر إلا دقائق عند حوالي الساعة الرابعة والنصف فجرا بالتوقيت المحلي (هو نفسه التوقيت العالمي الموحد)، فإن انتشارا أمنيا كثيفا أعقبه، فأغلقت الطرق المؤدية إلى القصر الرئاسي، وأخرى مؤدية إلى ساحة الأمة الأكثر شهرة في العاصمة، فيما توقف بث التلفزيون الحكومي، وطلبت سفارات غربية من موظفيها البقاء في بيوتهم، ولم تفتح المدارس أبوابها.
وسادت حالة من التوتر في البلد، الذي شهد العديد من الانقلابات العسكرية منذ استقلاله عن فرنسا عام 1960، كان آخرها الانقلاب الذي قاده الرئيس الحالي أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، أي قبل تسعة أشهر فقط، وأطاح فيه الرئيس المنتخب روش مارك كابوري، الموجود حاليًا في المنفى.
وقالت الرئاسة في بيان صحفي نشرته عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، إن «رئيس البلاد والقائد الأعلى للقوات المسلحة الكولونيل بول هنري داميبا، نظرا إلى الوضع المرتبك الذي خلفه تحرك غاضب لبعض عناصر القوات المسلحة الوطنية، اليوم (الجمعة) 30 سبتمبر 2022 في واغادوغو، يدعو السكان إلى أقصى درجات الحذر والهدوء حيال بعض المعلومات التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
وأضاف البيان نقلا عن الرئيس قوله إن «محادثات تجري من أجل استعادة الهدوء والطمأنينة»، مشيرا في السياق ذاته إلى أن «العدو الذي يهاجم بلدنا يسعى إلى شق صف بوركينا فاسو، من أجل إنجاح مهمته المتمثلة في خلق الفوضى»، وخلص إلى القول: «يجب أن نبقى موحدين، من أجل تحقيق السلام والأمن».
ولم يكشف بيان الرئاسة أي تفاصيل حول الجنود الغاضبين ولا مطالبهم، فيما تحدثت الصحافة المحلية عن عناصر من القوات المسلحة أغضبهم ما يعتقدون أنه «معاملة تفضيلية توليها السلطات العسكرية الانتقالية للقوات الخاصة»، وهي قوات مختصة في محاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في شمال البلاد وشرقها.
وأضاف المصدر نفسه أن الجنود الذين أطلقوا النار في الثكنة العسكرية «كانوا يعبرون عن غضبهم من عدم زيادة رواتبهم، وأنهم لم يستفيدوا من بعض التحفيزات والزيادات» التي حظي بها عناصر القوات الخاصة. وخلال السنوات الأخيرة كثيرا ما يعبر الجنود في بوركينا فاسو عن غضبهم واحتجاجهم عبر إطلاق النار في الثكنات العسكرية.
ورغم غياب أي معلومات عن عدد الجنود الغاضبين، ومدى تنظيمهم وقوتهم، وما إن كانت معهم قيادات بارزة في الجيش، فإن تحركهم جاء في وقت حرج بالنسبة للرئيس الانتقالي الذي يواجه موجة غضب شعبية من فشل سياساته الأمنية في مواجهة الجماعات الإرهابية التي تواصل هجماتها في البلاد.
وكان الكولونيل داميبا قد تعهد بعد وصوله إلى الحكم بانقلاب عسكري في يناير (كانون الثاني) الماضي، بإعادة هيكلة الجيش من أجل القضاء على الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار، لكن الوضع يزداد سوءا والهجمات تتضاعف، وعدد الضحايا المدنيين يرتفع.
وفي آخر هجوم إرهابي وقع الاثنين الماضي، قتل إرهابيون 11 جنديا حين استهدفوا قافلة مؤلفة من 150 مركبة، كانت تنقل إمدادات إلى بلدة في شمال بوركينا فاسو، ولا يزال 50 مدنيا في عداد المفقودين.
وتنقل الرئيس داميبا الخميس إلى مدينة دجيبو، حيث وقع الهجوم، والتقى الجنود المصابين وأولئك الناجين من الهجوم، وتعهد بملاحقة منفذي الهجوم، وقال: «جئتكم لأظهر لكم أن الألم الذي تحسون به، نحن أيضًا نحس به، والغضب الذي تشعرون به، نحن أيضًا نشعر به، وأعدكم بأنني سألاحق الإرهابيين حتى آخر جحر لهم، ولو تطلب الأمر أن أبقى معكم هنا».
إلا أنه حين كان الكولونيل داميبا يتحدث أمام الجنود، خرج متظاهرون في مدينة بابو ديلاصو، ثاني أكبر وأهم مدينة في البلاد بعد العاصمة، ورفعوا شعارات تطالبه بالاستقالة، وكانوا ينتقدون ما سموه «التسيير السيئ للأزمة الأمنية» من جانب الكولونيل داميبا، وقالت الصحافة المحلية إن أغلب المتظاهرين تجار أغلقوا محلاتهم وخرجوا منددين بتصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية، وتزايد أعداد الضحايا في صفوف المدنيين.
وحين قاد داميبا الانقلاب العسكري قبل تسعة أشهر، كان يحظى بشعبية كبيرة، وتظاهر الآلاف من أنصاره وعبروا عن أملهم في أن ينجح في القضاء على الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار في البلاد التي تعيش على وقع هجمات «القاعدة» و«داعش» منذ 2015.
وألقى الكولونيل داميبا، الأسبوع الماضي، خطابا في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، قال فيه إن الانقلاب العسكري الذي قاده كان الهدف منه «بقاء أمتنا» المهددة بكثير من الأخطار، مشيرا إلى أنه يتفهم تحفظ المجموعة الدولية عن الانقلابات العسكرية.
وأصبحت مناطق واسعة في الشمال والشرق خارجة عن السيطرة منذ العام 2018، وفر الملايين من منازلهم خوفا من المزيد من العمليات التي يقوم بها مسلحون كثيرا ما يستخدمون الدراجات النارية في مهاجمة المجتمعات الريفية، وقتل الآلاف في الهجمات.
وباتت الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، وهي واحدة من أفقر دول العالم، بؤرة لأعمال العنف التي بدأت في مالي المجاورة عام 2012 وامتدت منذ ذلك الحين إلى منطقة الساحل جنوب الصحراء الكبرى القاحلة.
التعليقات مغلقة.