نزهة في توب أولمبي

311٬512

لم يمر على افتتاح أولمبياد باريس أكثر من 48 ساعة حتى شاهدنا الرياضيين المغاربة يتساقطون تباعًا، بل أكثر من ذلك، يودعون المسابقة من الأدوار التمهيدية. حقيقة تعودنا على هذه الإخفاقات غير المبررة للقائمين على ألعاب القوى والرياضات ذات الصلة بالألعاب الأولمبية، إذ أصبحنا في العقدين الأخيرين نحضر للمشاركة فقط، وبشكل محتشم لا يليق بتاريخ المملكة المغربية التي قدمت ثلة من الأبطال في عدة رياضات أولمبية.

لذلك، علينا هنا أن نطرح العديد من التساؤلات: من المسؤول عن هذا السقوط الحر في الرياضات الأولمبية؟ أليس من الضروري أن نربط هذه المسؤولية بمحاسبة من يقف وراء هذه المهازل التي تشوه صورة بلد ضارب بجذوره في عمق التاريخ؟ هل هذا استخفاف من المسؤولين عن القطاع، أم أن الألعاب الأولمبية هي حدث وتظاهرة عادية؟ هل أصبح المغرب فارغًا من المواهب والطاقات، أم أن هناك أشياء أخرى تحول دون ذلك؟

مؤسف أن نعيش على الأطلال في كل دورة أطلت فيها الألعاب الأولمبية، في بلد يزخر بالطاقات الشابة والمواهب التي لو أتيحت لها الظروف وأنصاف الفرص لرأينا فيها الكثير. أصبحنا نَحِن إلى سنوات خلت عندما كان المغرب يضرب له ألف حساب في ألعاب القوى والملاكمة. أين هي أيام سعيد عويطة، نوال المتوكل، حسناء بنحسي، نزهة بدوان، هشام الكروج، والقائمة تطول؟ كان للمغرب متابعون حتى في الوطن العربي، وكان الرياضيون المغاربة أشهر من نار على علم. لكن في العقد الأخير، أصبحنا نشاهد ارتباكًا كبيرًا في المنظومة الرياضية برمتها، باستثناء كرة القدم إلى حد ما. عشوائية هنا، وتصفيات حسابات هناك، هذا الاستخفاف والتصرفات غير المسؤولة يفوت على البلاد أبطالًا من ذهب، ضحاياهم الشباب الذين يدفعون الثمن لفشل المسؤولين في الحقل الرياضي.

كيف يعقل أن هناك بعض رؤساء الجامعات معمرون في مناصبهم مدى الحياة، وآخرون لأكثر من عقد من الزمن، دون حسيب ولا رقيب؟ ألا يعلم المسؤولون عن القطاع الرياضي أن الحدث الأولمبي هو حدث يستحق بذل جهود كبيرة، والرفع من الجهوزية العالية استعدادًا لهذا الحدث المميز الذي تبذل له دول كثيرة جهودًا كبيرة لتمثيل بلدانها وشعوبها أحسن تمثيل؟ الحدث الأولمبي يختلط فيه الرياضي بالسياسي بالثقافي وكذلك الاقتصادي، والتاريخ شاهد على ذلك، لذلك نجد البلدان المهيمنة عالميًا في تنافس شديد وشرس على تصدر سبورة الترتيب. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأولمبياد ليس بالحدث العادي.

هذا السقوط المدوي والفاضح كان متوقعًا قبل بداية هذه الرحلة الأولمبية، عندما أصبحت بعض الرياضات مقتصرة في مناصبها على عائلات المسؤولين وذويهم، لتنتج لنا رياضيين شكليين دون خطة عمل واضحة أو أسس رياضية متينة. كما طُمست في عهدهم بعض المنابع التي كانت بمثابة مناجم للتنقيب عن المواهب، كالألعاب المدرسية والمسابقات الجهوية والوطنية. كل هذا بات من الماضي وأصبح يندثر يومًا بعد يوم، ومن يدفع ثمن هذا الفشل واللامبالاة سوى أبناء هذا الوطن؟

لذلك لننظر بتمعن لوجوهنا في المرآة، و نطرح على أنفسنا هذا السؤال: هل سنظل نتعايش ونطبع مع هذه المهازل، وننتظر بروز بطل هنا ونجمة هناك تسوقهم الأقدار و الاجتهاد الشخصي، نحو منصة التتويج؟ أم سنكون مضطرين لعملية تنظيف شاملة للبيت الرياضي برمته نؤتت بعدها البيت الرياضي بمن يعرفون الطريق نحو البوديوم؟

زكرياء الروضي

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد