“لا فيريتي”.. مكناس فساد ما بعده فساد (1)

كما هو الحال كل سنة، تستمر مدينة مكناس في الوضع المتراجع على مستوى تفشي الفساد، ومنذ سنة 2011، ما فتئت المطالبة بإقرار الشفافية والحكامة العمومية ومكافحة الفساد تتصدر الحركات الاجتماعية المنظمة منها أو العفوية على حد سواء، من شمال المدينة إلى أقصى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.

إن منظومة الفساد التي استطاعت حتى الآن، استقطاب جيش من المفسدين الذين وظفوا مراكزهم ومواهبهم وسلطاتهم لتركيز ثقافة الرشوة والارتشاء، وتبيض أموالها، وتعميق ثقافة الابتزاز والزبونية والمحسوبية في الإدارة العمومية، وإعطاء المشروعية للفساد الانتخابي والاغتناء اللامشروع، وهو الجيش نفسه الذي أغرق مدينة مكناس في سلسلة من الأزمات التي عطلت/ وتعطل انتقالها وتطورها بكل الوسائل والأسلحة.

هذا وقد قدمت مجموعة من الصفحات و المجموعات على الفضاء الأزرق، إشارات للفت الانتباه إلى أن مكناس “لا تزال تعتبر من بين المدن التي تعاني من تفشي الفساد ”، سواء في الجماعة الحضرية أو الوكالة المستقلة لتوزيع الماء و الكهرباء أو المستشفيات أو قطاع الصناعة والخدمات والحرف والرياضة…

إن غياب المساءلة على مختلف مستويات المدينة؛ تنمي تضارب المصالح في صفوف المسؤولين بسبب الإفلات من العقاب وانعدام آليات الوقاية والإخبار والضبط والزجر في هذا المجال؛ جمود السلطات العمومية بشأن المعلومات المتوفرة للعموم بخصوص جرائم مالية مرتكبة واجتهاد أجهزتها في ردع (وملاحقة) المنبهين؛ استمرار هذر المال العام واختلاق مصادر للريع محمية بعدم الاعتراف بالحق في الحصول على المعلومات والإفراط في ممارسة السر الإداري؛ تعطيل مبدأ الاستقلالية وسلطات التقصي.

مما تقدم نرى أن ظاهرة الفساد ظاهرة شديدة الانتشار، ذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة، وتختلف درجة شموليتها من مؤسسة إلى آخر، كما أن الآثار المدمرة والنتائج السلبية لتفشي هذه الظاهرة المقيتة تطال كل مقومات الحياة لعموم المواطنين، فتهدر الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات، وبالتالي تشكل منظومة تخريب وإفساد تسبب مزيداً من التأخير في عملية البناء والتقدم ليس على المستوى الإداري والمالي فقط، بل في الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، أي فيما يتعلق بالتنمية الشاملة، مما يحتم إنشاء نظام رقابي فعّال مستقل ومتنوع مهمته الإشراف ومتابعة الممارسات التي تتم من قبل المؤسسات والموظفين العاملين بها، و الإعلان عن حالات الفساد بشتى أنواعه التي تم اكتشافها والاجراءات التي تم اتخاذها حيالها وتعميمها.