مدينة مكناس.. بين أسطورة “عين الذيب” وواقع “عين الظلام”

865٬112

إذا كنت من زوار مدينة مكناس، فاستعد لتجربة مغامرة قد توازي أساطير ألف ليلة وليلة، لكن بنكهة أكثر واقعية وأقل رومانسية.

مدينة تاريخية حملت مجد السلطان مولاي إسماعيل، لكنها اليوم تحمل همَّ البحث عن مصباح علاء الدين، ليس لتحقيق الأحلام، بل فقط لإنارة الشوارع المعتمة.

ما إن يحل الليل حتى تتحول المدينة إلى نسخة حديثة من “كهف علي بابا”، حيث الظلام سيد الموقف والمصابيح مجرد ديكورات معطلة تذكر المارة بأن الكهرباء ليست حقا مكتسبا بعد.

قد تعتقد أن الأمر جزء من مبادرة بيئية لتوفير الطاقة، لكن الحقيقة أن الإنارة العمومية اختارت التقاعد المبكر، تاركة المواطنين في مواجهة مباشرة مع الحفر والمطبات، التي تضاف إلى الإثارة المرورية التي تشتهر بها المدينة.

أما إذا كنت تظن أن المشي في الظلام مغامرة غير محمودة، فانتظر حتى تجرب وسائل النقل الحضري.

الحافلات تبدو كأنها خرجت من متحف المركبات العتيقة، تسير وفق جدول زمني مستوحى من أزمنة الديناصورات.

وحتى إن ظفرت بمقعد داخلها، فاستعد لاختبار مجاني لقوة توازنك مع كل حفرة أو مطب مفاجئ، فتلك الخدمة الإضافية التي تقدمها البنية التحتية المهترئة مجانا.

يقال إن مكناس مدينة التراث والتاريخ، لكن يبدو أن المسؤولين قرروا أن يكون ذلك التاريخ ملموسا تحت أقدامنا، عبر الشوارع المليئة بالحفر والمطبات التي تجعل السير فيها أشبه برحلة لاكتشاف آثار من زمن سحيق.

إذا نجوت من الحفر، فلن تنجو من الأرصفة المتآكلة التي قد تبتلع قدمك في أي لحظة، مما يجعل رياضة القفز الطويل مهارة ضرورية للسكان.

تحكي الأسطورة أن هناك مكانا في مكناس يدعى “عين الذيب”، سمي بهذا الاسم لأن ذئبا كان يختفي هناك ليلا في ظروف غامضة.

البعض يقول إنه كان يتنقل عبر الزمن، والبعض الآخر يظن أنه كان يخفي كنزا، لكن التفسير الأقرب لواقعنا اليوم هو أن الذئب لم يكن يرى شيئا بسبب الظلام الدامس، فقرر الهجرة إلى مدينة أكثر إنارة.

واليوم، يبدو أن سكان مكناس يعيشون نسخة معاصرة من هذه الأسطورة، حيث الظلام يعم الشوارع، والخدمات تختفي في ظروف غامضة، والبنية التحتية تحولت إلى لغز محير لا يعرف حله إلا العرافون والمنجمون.

قد يكون من غير المنطقي انتظار مصباح علاء الدين ليحل المشاكل، أو فارس مغوار يأتي لإعادة المدينة إلى مجدها، لكن من المنطقي جدا أن تتحرك الجهات المعنية قبل أن يتحول الأمر إلى نكتة حزينة يتداولها الزوار قبل السكان.

فإلى متى ستبقى مكناس مدينة الظلام والمواصلات الأثرية والشوارع التي تصلح فقط لتصوير أفلام نهاية العالم؟

السؤال مطروح، لكن الإجابة ربما تختبئ في إحدى حفر المدينة العميقة

عمار الوافي

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد