مقبرة الأحلام.. صراع البقاء في المدينة المنكوبة

693٬393

مدينة تلبس ثوب الحضارة نهارا، لكنها عند الغروب تكشف عن عظامها المتآكلة تحت وطأة الفساد، حيث الحياة تمضي كالعادة وسط الأتربة والوعود الفارغة، انطلقت مبادرة نبيلة.. مشروع مقبرة تخدم المصلحة العامة، لأن أهل المدينة، بعد أن فقدوا الأمل في العيش الكريم، أصبحوا على الأقل يطمحون إلى موت محترم.

غير أن هذا المشروع، ككل مشروع يحمل بصيص نفع، لم يمر دون أن يستنفر “محترفي المصالح”، أولئك الذين يشمون رائحة “الفرصة” حتى من تحت التراب.

فبينما يترافع البعض عن ضرورة توفير مقبرة تليق بالأموات، هناك من يقف عند الزاوية، “مقرنصا”، يعد الأيام والسنتيمترات، مترقبا اللحظة المناسبة لينقض على قطعة منها، إما لإقامة مشروع استثماري أو لمجرد توسعة “ملكيته العائلية” إلى ما بعد القبر.

الغريب في الأمر أن النقاش حول المشروع لم يتركز على مساحته أو شروط الدفن، بل على “كيف سيتم تقاسم الكعكة”.

وكأن المدينة لا تزال تنعم بالحياة، وكأن المشكلة ليست في الموت، بل فيمن سيتحكم حتى في جوار أماكن الراحة الأبدية.

وهكذا، بين مطالبين بمقبرة محترمة وبين مقرنصين محترفين، يظل المواطن البسيط محتارا.. هل يحجز قبره مسبقا قبل أن يصبح عقارا مضاربا، أم يواصل حياته كأنه خالد، متجاهلا أن حتى الموت في هذه المدينة أصبح له لوبي خاص؟
-يتبع-
عمار الوافي

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد