المغرب بين مطرقة الأصولية الدينية وسندان الأصولية الاقتصادية.. تقدم مع إيقاف التنفيذ

672٬914

يبدو أن التقدم في المغرب يشبه قطارا فخما علق وسط الصحراء.. لا يتحرك، لكنه يستهلك الكثير من الوقود في صفارات الاستعداد للانطلاق.

والسبب؟

لدينا في المغرب مشكلتان تعرقلان أي محاولة جدية للحاق بالعالم المتحضر.. الأصولية الدينية من جهة، والأصولية الاقتصادية من جهة أخرى. أو بعبارة أخرى، بين فقيه يصر على ضرورة الذبح ولو بلا خراف، ورجل أعمال يصر على الربح ولو بلا اقتصاد.

في ركن الحلبة الأول، نجد الأصولية الدينية، التي تتعامل مع الدين وكأنه ماركة مسجلة باسمها، ممنوع لمسه إلا بإذن مسبق.

هؤلاء لا يرون بأسًا في فرض قناعاتهم على المجتمع، لكنهم فجأة يصبحون “مرنين” حين يتعلق الأمر بمصالحهم.

فمثلا، في كل عام يُذكّرون الفقراء بضرورة التضحية ولو بقرض ربوي، لكن حين جاءت الظروف الاقتصادية الصعبة، اكتشفوا فجأة أن “الاستطاعة” شرط للأضحية! رائع، متى كانت آخر مرة تحدثوا فيها عن “الاستطاعة” قبل أن يضيق الخناق؟

يبدو أن المبادئ عندهم مثل شبكة الإنترنت، تتغير حسب قوة الإشارة.

أما في الركن الآخر من الحلبة، نجد الأصولية الاقتصادية، وهي وحش شره لا يعترف بالأزمات، بل يرى فيها فرصًا ذهبية لحلب المجتمع.

هؤلاء لا يكتفون باستنزاف جيوب المواطنين، بل يحرصون على أن تظل هذه الجيوب مثقوبة إلى الأبد.

فبينما كان الناس يشتكون من الغلاء، كانت بعض النخب الاقتصادية تبحث عن “طرق إبداعية” لاستغلال الأزمة.. رفع الأسعار بلا مبرر، احتكار السلع، وتسويق “التقشف” كقيمة وطنية. طبعا، تقشف يفرض على الطبقات المتوسطة والفقيرة، بينما هم يواصلون استيراد سياراتهم الفاخرة دون انزعاج

المثير في الأمر أن الأصوليتين تتعاونان حين يكون في ذلك مصلحة للطرفين.

فالأصولية الدينية تصدر الفتاوى التي تخدم مصالح الأصولية الاقتصادية، بينما الأخيرة تمول الأولى لتظل تشغل الناس بالقضايا الهامشية.

والمواطن المغربي، المسكين، يبقى عالقا بين الاثنين، يدفع فاتورة اللحمة والدعاء في آن واحد.

ملاحظة لها علاقة بما سبق.. المغاربة لا تنقصهم الإرادة ولا الذكاء، لكنهم في حاجة إلى مساحة يتحركون فيها دون أن تلاحقهم فتاوى تحريم أو حسابات تجارية جشعة.

التقدم ليس معجزة تحتاج إلى كرامات، بل يحتاج فقط إلى بيئة لا تقتل الأفكار قبل أن تولد، ولا تحاسب الناس على فقرهم بدل أن توفر لهم سبل العيش الكريم.

فهل نجرؤ على كسر الحلقة؟ أم سنبقى نعيش في مسلسل طويل بعنوان.. “المغرب.. الدولة التي كادت أن تتقدم”؟

-يتبع-
عمار الوافي

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد